إن مذهب
أهل السنة والجماعة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف ويباين مذاهب
المعتزلة و
الخوارج، وكذلك
المرجئة و
الروافض.
فـ
الروافض لا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا الجهاد إلا مع الإمام المعصوم، و
المرجئة يرون أن الإيمان محله القلب وأن العمل لا ضرورة له، ولذلك فإنهم يتهاونون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما نشاهد آثاره في عامة الناس، فإذا خوطب أحدهم بأمر أو نهي قال: الإيمان في القلب. فهؤلاء يمثلون طرفاً.
والطرف الآخر هم الذين جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركناً من أركان الدين، وكفروا من تركه، وهم
الخوارج و
المعتزلة .
وأما
أهل السنة والجماعة فهم وسط في ذلك كما هو شأنهم في جميع أمور العقيدة وقضاياها، فلا يرون إسقاط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تعليقه على موهوم أو معدوم؛ كما هو حال
الرافضة و
المرجئة، وكذلك لا يرون أن مجرد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخرج من الملة؛ كما هو حال
الخوارج و
المعتزلة، فهو عندهم من الإيمان الواجب الذي يأثم من تركه، فحكم تاركه حكم مرتكب الكبيرة -هذا الكلام من حيث الجملة- ومرتكب الكبيرة لا يكفر عند
أهل السنة والجماعة .
أما إذا تكلمنا عن فاعل الكبيرة المستحل لها، أو تارك الواجب المعلوم من الدين بالضرورة جاحداً لوجوبه، هذا أمر آخر، وهذا لا شك في كفره، لكن هذه قيود أخرى تضاف إلى أصل المسألة، فلا تحصل الأحكام -وأهمها وأعظمها التكفير- إلا بثبوت الشروط وانتفاء الموانع؛ وذلك لعظم مسألة التكفير، ولذلك فلسنا مع من يكفر بإطلاق ولسنا كذلك مع من يرى أنه غير آثم، وأن الأمر والنهي يسقط بإطلاق.. هذا على سبيل الإجمال، أما لو أتينا إلى التفصيل -وليس هذا مقامه- فلا ريب أن من أقر بالكفر ورضي به، أو استحل منكراً من المنكرات ورضي به -ومن استحلاله أن يرى أن فاعليه على حق، وأنهم يفعلون ما هو حلال- فلا شك أن هذا كافر، وكذلك بالمقابل نقول: من تركه تقصيراً أو إهمالاً أو جهلاً أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون عاصياً بحسب درجة ذلك المنكر، وبحسب درجة ذلك التارك للأمر أو النهي، حيث أن المكلفين تختلف أحوالهم وأوصافهم وأعيانهم في الأمر وفي الشأن الواحد.
فهذه أحكام تطبيقية تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأماكن.
أما القول بإطلاق أن المنكرات الآن منتشرة، والناس راضون بها ولا ينكرونها، فهم إذاً كفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل}، فهذا كلام غير صحيح، وهو من الغلو، وهو مثل القول بإسقاط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الوارد في الحديث والمقصود منه: هو ما يرتكب من المعاصي الظاهرة، ولا يعني ذلك أن الكفر -وهو المنكر الأكبر- لا ينكر على فاعله، ولا يعني أيضاً أن من أقر الكفر ورضيه لا يكفر، لكن المقصود من الكلام هو المنكرات والمعاصي الظاهرة، وإلا فالبدع هي منكر أكبر من المعاصي الظاهرة، والكفر والشرك أكبر من كليهما، وهكذا.